خطبة يا قارئ كلام الله هَنيئًا لك
الوصف: الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين، وقيُّوم السماوات والأرضين، أرسل رُسُلَه حجةً على العالمين، ليُحيي من حيي عن بيِّنة، ويهلك من هلك عن بيِّنة، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه، البشير النذير والسراج المنير، نصح لأُمَّتِه، وجاهد في الله حقَّ جهادِه، فترك أُمَّتَه على المحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هالِك، فصلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اقتفى أثره واستنَّ بسُنَّته إلى يوم الدين، أما بعد:
خطبة يا قارئ كلام الله هَنيئًا لك
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين، وقيُّوم السماوات والأرضين، أرسل رُسُلَه حجةً على العالمين، ليُحيي من حيي عن بيِّنة، ويهلك من هلك عن بيِّنة، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه، البشير النذير والسراج المنير، نصح لأُمَّتِه، وجاهد في الله حقَّ جهادِه، فترك أُمَّتَه على المحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هالِك، فصلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اقتفى أثره واستنَّ بسُنَّته إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأوَّلين والآخرين ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ [النساء: 131]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19]، أما بعد:
الصحبة الصادقة تقود لصدق النصيحة، فهذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت رضي الله عنه يقول لجاره فَرْوَة بن نوفل الأشجعي لما خرج معه يومًا إلى المسجد وهو آخذ بيده قال: (يا هناه، تقرب إلى الله بما استطعت؛ فإنك لن تتقرَّب إليه بشيء أحب إليه من كلامه)، وعند الإمام أبي عيسى الترمذي من حديث أبي أمامة مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تقرَّب العبدُ إلى الله بمثل ما خرج منه))؛ يعني: القرآن، لا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم يا طلاب رحمة الله ورضوانه، إنكم ما قضيتم أوقاتكم بمثل الانشغال بكلام الله تلاوةً وتأمُّلًا وتدبُّرًا وعملًا، فَتُفْتَنُونَ بِهِ عمَّا سِوَاه, ويكون على ألسنتكم ليلًا ونهارًا سِرًّا وجهارًا، تقرؤونه وتتلونه، وتعملون بمحكمه، وتؤمنون بمتشابهه، وما أجمل كلام ذي النورين وما أصدقه! (لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم) ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: (مَنْ أحَبَّ القرآنَ أحَبَّ اللهَ ورسولَه).
يا عباد الله، مَن أحبَّ اللهَ أحَبَّ كلامَه، ومَن أحَبَّ كلامَه أنشَأَ بينه وبين كتاب الله صحبةً مستمرةً، لا أقول إلى الممات؛ بل إلى ما بعد الممات، في الحشر يبقى القرآن مصاحبًا لصاحبه، من صحب القرآن في حياته ظفر به في حياته، ويرقى به في جنات النعيم، فيقرأ ويرقى ويُرتِّل كما كان يُرتِّل في الدنيا، فمنزلته عند آخر آية يقرؤها، وفي قبره وفي وظل القرآن أنيسه وصاحبه وشفيعه، فبركات القرآن متتالية، وفي كل شيء، فبركة الأجر والثواب وبركة العمر والوقت، وبركة الزوجة والأولاد، وبركة الرزق والمعاش، وبركة الصحة والعافية، وكل ما شئت من وجوه البركة، فالله أراد أن يكون كتابه مباركًا؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وقال تعالى: ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 50].
هذا الكتاب المبارك عز لمَن أعزَّه الله، فالله يرفع بالقرآن أقوامًا ويضع به آخرين، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10]، قال الإمام السعدي رحمه الله: أي فيه شرفكم وفخركم وارتفاعكم إن تذكرتم بما فيه من الأخبار الصادقة فاعتقدتموها، وامتثلتم ما فيه من الأوامر، واجتنبتم ما فيه من النواهي، ارتفع قدرُكم، وعظُم أمرُكم، وانظر أمر المصطفى عليه السلام، وجماعته المستمسكين بكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما حصل لهم من الرِّفْعة والعلوِّ الباهر، والنصيت العظيم، والشرف، كما هو أمر معلوم لكل أحد.
يا قارئ كلام الله، هنيئًا لك بركة الزمان والمكان والمال والولد، هنيئًا لك مضاعفة الحسنات وتنزُّل السكينة والرحمات، هنيئًا لك انشراح صدرك وراحة ضميرك، هنيئًا أن أحبَّك ربُّك ويسَّر لك الاهتمام بالقرآن، وهنيئًا لك الوقوف عند آيات الكتاب الحكيم العزيز المبين المبارك، هنيئًا لك النور بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك، من مثلك حظي بقراءة رسائل ربِّه ومواعظه ووعده ووعيده، يا قارئ كلام الله هنيئًا لك صحبة القرآن في الدنيا فنوَّرت قلبك بهداياته، ونوَّرت عقلك بحججه وبراهينه، ورغَّبت نفسك بعطاء الله، فخشعت الجوارح، وذرفت العيون الدموع، وباعدت نفسك عن غضب الله وسخطه.
يا قارئ كتاب الله، هنيئًا لك التعرُّف على الله جل جلاله، فالقرآن مليء بوصف الله بصفات الكمال والجمال، والتعريف بالربِّ الكريم، اقرأ مثلًا أواخر سورة الحشر تجِدْ ربًّا عظيمًا أحدًا منفردًا بصفات الكمال، خالقًا للعباد مُنزَّهًا عن النقائص، رحيمًا بخلقه، عليمًا بهم، قد دبَّر أمر الكون بانتظام عجيب؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 22 - 24].
ثم تُقلِّب صفحات أخرى من الكتاب العظيم، فترى ربًّا كريمًا عظم نواله، ونصر أولياءه، وأكرم أصفياءه، ثم تطوف بقلبك وتفكيرك على مواضع العِزَّة والعظمة والانتقام، فينتقم من أعداء الله فيهلكهم، فتنظر مصارع القوم بقلبه، فيا الله كيف حرم هاجر القرآن من هذه المعارف والكنوز الذي يزداد بها لله تقرُّبًا مترقيًا في سُلَّم العبودية والتسليم.
هنيئًا لك يا قارئ كلام الله مرورك على الآيات الشرعية التي تكلَّمت عن آيات الله الكونية، فترى العظمة الإلهية في الخَلْق والإيجاد، وترى قدرة الله في تدبير الكون وتسييره بنظام لا اختلال فيه ولا اضطراب به، فترى عظمة خلق السماء بلا عمدٍ، وبسط الأرض والوهد، ثم نتأمَّل في البحار والأنهار وسير الفلك، وترى وتتعايش مع الطيِّبات، وترى بأُمِّ عينيك تسخير السحاب وإنزال الغيث والقطر والسماء، وترى آيات ربِّك في النفس واختلاف الألْسُن والألوان في آياتٍ لا تنتهي؛ ممَّا يدل على عظمة الله، ثم تقرأ بسكون وخشوع وخضوع متأمِّلًا مُتفكِّرًا بقول الله: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ﴾ [فصلت: 53، 54].
وأنت تتأمَّل في عظمة الله في خلقه لا تغيب عنك مستشهد خضوع هذه المخلوقات وأنت تقرأ قول ربك: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج: 18].
يا قارئ كلام الله، هنيئًا لك تذكير الله لك بيوم القيامة وأهواله وعظائم الأمور من تغيُّر الكون وتبدُّله، وتصوير خروج الناس من قبورهم وحشدهم إلى ربِّهم، وانقسام الخلائق الى بَرٍّ وفاجر، ومؤمن وكافر، ففريق في الجنة وفريق في السعير حتى يحصل الاستعداد المناسب لذلك الموقف الرهيب مستصحبًا أمر الله لك في كتابه ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
يا قارئ كلام الله، هنيئًا لك التفيُّؤ بظلال الجنة حين تمرُّ بآيات الجنة وأوصافها، فتراهم يُتَنَعَّمُونَ فِيهَا ويُكْرَمُون، فيطوف عليهم الوِلْدان المُخلَّدون، ويشربون من الكأس المعين، وتراهم على الأرائك متقابلين، وبالحور الحسان يتنعَّمُون، وبجوار سيِّد الخلق يكرمون، ثم النعيم الذي لا يُبارى ولا يُوازى؛ رِضا ربِّ العالمين، والتكرُّم والتشرُّف برؤيته، قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23].
فهذه من اللذات المُعجَّلة حين تطوف بآيات الجنان التي تُحفِّز للعمل الصالح، فيا خسارة مَنْ هجر كلامَ ربِّه، وحرَم نفسَه اللذَّة المُعجَّلة التي يشعر بها أهل القرآن، جعلني الله وإياكم منهم، قال تعالى عن أهل الإيمان: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32].
يا قارئ كلام الله، تأمَّل وعظ ربِّك، قال سبحانه: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]، ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الجاثية: 6]، ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185]، تأمَّل وعظ ربِّك وتحذيره حين تمرُّ بآيات العذاب فتفر من النار فرارَكَ من الأسد، ويخف داعي المعصية في قلبك؛ لاقترانك بكتاب ربِّك الذي حذَّرك فيصبح فيك قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].
يا قارئ كلام الله، هنيئًا لك النور المبين والبصيرة من ربِّ العالمين، فقد حدَّد لك القرآن والسُّنَّة معالم التاريخ من قبل وأثناء وبعد، لا سيَّما مع تخبُّطات آراء الفلاسفة والملاحدة الذين يتخبَّطون في الظُّلُمات، وأمَّا دعوة الأنبياء فالبداية والنهاية وطريقة الوصول واضحةٌ، فـفي كمال أسماء الله الحسنى مثلًا وصفاته، فالله هو الأوَّل والآخِر، والظاهر والباطن، وهو بكُلِّ شيءٍ عليم، ثم يُبيِّن الله جل وعلا أن الله خلق السموات والأرض وما فيها، ثم بيَّن سبحانه في كتابه مبدأ الإنسان بخلق آدم بيده، وخلق زوجه منه، ثم أهبطهما إلى الأرض، فتناسلت الذُّريات، وبيَّن الله الأنبياء والرُّسُل، وحالهم مع أقوامهم، وصبرهم لإقامة توحيد الله في الأرض، وبيان نصرة الله لهم، وانتقامه من أعدائهم، ثم تتلو بكل ثقة تستصحبها وأنت تقرأ قول الله: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، فلا يبقى بعد ذلك في قلبك أدنى شكٍّ أنَّ مَن اتَّبَع هَدْي محمد صلى الله عليه وسلم أنه منصور، قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 55، 56].
فبيَّن مبدأ خلقك وسيرة حياتك، ثم نهايتك، ثم قبض روحك، فالقيامة الصغرى وما فيها، ثم الكبرى وما فيها، ثم الحشر، ثم الوقوف بين يدي الله، ثم المرور في الصراط، ثم افتراق الناس: ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7]، كل شيء واضح!
يا الله! ما أعظم هذه البصيرة! يرى بها الإنسان حركة التاريخ من أوَّلِها إلى آخرِها كأنها الشمس أمام عينيه واضحة فلا تحجب الشمس بغربال.
يا قارئ كلام الله، هنيئًا لك زيادة الإيمان والحسنات، ومضي الزمان في الطاعات.
فيا من لا زالت رُوحُه في جسده، أصْلِح الحال، فما زلنا في زمن المهلة، فَالْحَقْ بالرَّكْب، وابتعد عن الهجر، وكُنْ جادًّا مع النفس، واحْذَر سوف، وابدأ من الآن، وأعلن التغيُّر، فالقرآنُ زينةُ الدُّنْيا، والقرآنُ أهَمُّ المهمات، وأهَمُّ الأشياء يجب ألَّا يُعطى فَضلةَ الأوقات؛ بل أحسنها وأفضلها، بصَّرني الله وإياكم بهدي كتابه، ورزقني وإيَّاكم تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا، قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، اللهُمَّ بشِّرنا جميعًا يا رحمن يا رحيم، واغفر لنا يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية
قال الله تعالى واصفًا كتابه: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ [فصلت: 41]، ومِن عِزَّة القرآن أنه لا يبقى في قلب من هجره، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، فالقرآن مُيسَّر، ومَن كان عليه الميسر معسر، فهو محروم، أعانني الله وإيَّاكم على مرضاته.
اللهُمَّ وفِّقْنا لما تُحِبُّ وترضى، وخُذْ بنواصينا إلى البِرِّ والتَّقْوى، ومن له فضل علينا يا رب العالمين ممَّن عرفنا ونسينا يا رب العالمين، جازهم عنَّا خير الجزاء، اللهُمَّ اغْفِر لآبائنا وأمهاتنا، واجزهم عَنَّا خير الجزاء، اللهُمَّ مَن كان منهم حيًّا فأطِلْ عُمْره، وأحسِن عمله، وارزقنا بِرَّه ورضاه، ومَنْ كان منهم ميتًا فارحمه برحمتك التي وسِعَت كُلَّ شيء وجميع أموات المسلمين يا رب العالمين، اللهُمَّ اغفر لعلمائنا ومشايخنا، ومن له فضل علينا يا رحمن يا رحيم، اللهُمَّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادَك الموحِّدين، انصر من نصر الدِّين، واخذُل مَن خذله، ووَالِ مَنْ والاه بقوَّتِك يا جبَّار السماوات والأرض، اللهُمَّ آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهُمَّ وفِّق ولاةَ أمورِنا لما تُحِبُّ وترضى، وخُذْ بنواصيهم للبِرِّ والتَّقْوى، اللهُمَّ اجمع قلوبنا على تعظيم كتابك وسُنَّة رسولنا صلى الله عليه وسلم، اللهُمَّ صَلِّ على محمد كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد.